::: بعض القواعد من آداب أهل الإنصاف
صفحة 1 من اصل 1
::: بعض القواعد من آداب أهل الإنصاف
أولاً: أنت حينما تريد أن تقيم الطرف الآخر ينبغي أن يكون القصد بيان حقيقة للناس، لا أن تجرحه، لا أن يشتفي صدرك منه، لا أن تصغره، القصد بيان حقيقة، لذلك لا تستخدم كلمات قاسية، لا تستخدم شخصه كي تنهش منه، تتحدث عن فكرة يطرحها غير صحيحة، والأدلة على عكسها، هذا أول أدب أن تتحرى قصدها، أنت لماذا تهاجم فلاناً ؟ أنت كإنسان تنطق بالحق، من حقك ومن حق الناس عليك أن يسمعوا منك كلمة العدل في هذه الدعوة، ليس القصد من ذلك أن تجرحه، أن تفضحه، أن تسحقه، القصد أن تبين للناس حقيقة هذا الدين.
من آداب أهل الإنصاف أنهم لا يتسرعون في إطلاق الأحكام:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾
[ سورة الحجرات: 6]
هذا هو الأدب الثاني.
الأدب الثالث ك احمل كلام خصمك على أحسن وجوهه، هو قال هذا الكلام، و لكن ما قصد هذا الذي تفنده أنت، احمل كلام الطرف الآخر على أحسن الوجوه، ولا تحمل هذا الكلام على أسوأ الوجوه، قال لك شخص: لله رجال إذا أرادوا أراد، أنت كافر، أنت مشرك، لماذا ؟ إذا أراد بهذا الكلام أنهم مستجابو الدعوة، لا يوجد شيء، لماذا أنت حملت كلامه أنهم لهم إرادة مستقلة عن إرادة الله لماذا ؟ احمل كلام الطرف الآخر محملاً حسناً، احمل كلام الطرف الآخر على أحسن الوجوه، شخص قال: أنا أصلي بلا وضوء، فسيدنا علي قال: يصلي على النبي، بهذا المعنى، قال: أنا أفر من رحمة الله قال: لأنه يهرب من المطر، لأن المطر رحمة الله عز وجل، شخص قال: أنا لي في الأرض ما ليس لله في السماء، له زوجة و أولاد، فقد تحمل كلام الآخرين على أحسن الوجوه، وهذا من أدب المؤمنين.
من هذه الآداب آلا تتحدث عن سيئات الطرف الآخر، وتتناسى حسناتهم، مرة التقيت مع إنسان قريب كان في أمريكا حدثنا عن الرقي وعن الأناقة وعن الجمال وعن الانضباط وعن النظام، ما تكلم كلمة سلبية واحدة، فإذا تحدث عن أهل المشرق تحدث عن الفوضى والخطأ، قلت له: ليس لأهل هذه البلاد ولا ميزة، ولا لأهل هؤلاء البعيدين ولا سيئة ؟ كن منصفاً، تحدث عن إيجابياتهم وعن سلبياتهم، وإن تحدثت عن قومك تحدث عن إيجابياتهم وعن سلبياتهم، أنا أحياناً أضطر أن أذكر هذه القصة: شاب هناك أحب فتاة فسأل أباه ليتزوجها، قال: لا، يا بني إنها أختك وأنت لا تدري، فتركها ثم تعلق بفتاة أخرى استأذن أباه قال: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، فقال لأمه: ما حدث ؟ قالت: تزوج أياً شئت فأنت لست ابنه، وهو لا يدري، هكذا هناك، نحن عندنا انضباط، يوجد أسر بالشام الخيانة قليلة فيها جداً، ونادرة، أليست هذه ميزة ؟ هناك تماسك أسري، هناك رحمة، بفرنسا جاؤوا بإنسان، ووضعوا عليه حبراً أحمر اللون أمام سيارة فيها حادث على طريق بين باريس و ليون، بعد ست ساعات توقفت سيارة، نحن الهرة يهرع الناس إلى معالجتها، وأخذها إلى المستوصف، أليس كذلك ؟ هؤلاء قومك ليس لهم ولا ميزة، تحدث عن أخلاقهم، عن تماسكهم الأسري، عن إقبالهم على الدين، عن رحمتهم التي في قلوبهم، فإذا كنت في بلاد الغرب لا مانع أن تذكر إيجابياتهم، وينبغي أن تذكر مع إيجابياتهم سلبياتهم، وأنت إذا كنت في بلاد الشرق تحدث عن بعض الأخطاء ولا تنسى بعض الفضائل، هذا هو الإنصاف.
يجب أن يكون النقد للرأي لا لصاحب الرأي، هذا من آداب أهل الإنصاف، ومن آداب أهل الإنصاف أن يمتنع الإنسان عن المجادلة التي تفضي إلى المنازعة:
((أنا زعيم في ربض الجنة لمن ترك الجدال و هو محق ))
(الترمذي)
الآن إذا أردت أن تنتقد الآخرين خذ ظاهر أقوالهم، لا أن تصل إلى نواياهم، من يعلم النوايا، ما أراد بهذا الكلام الذي فهمتم منه ؟ أراد شيئاً آخراً عميقاً، هذا ليس إنصافاً، ابق في حدود النص.
إخوانا الكرام: و الله يوجد قصة لا يصدقها العقل، إن أحد الأنصار اسمه الأبيرق هذا الأنصاري سرق درعاً لأحد وجهاء الأنصار ـ درع ثمين ـ فلما وضعها في جراب، والجراب في طحين، والجراب مثقوب، فسار فخطّ من ساحة المعركة إلى بيته، يوجد دليل على أنه سارق، أخذ هذا الجراب وضعه عند يهودي أمانة، وذهب وفد إلى النبي من طرفه أن نحن أنصارك يا رسول الله، نحن قومك، هذا الإنسان ليس سارقاً، السارق هو اليهودي، النبي تمنى أن يكون هذا الكلام صحيحاً، إذا أنت هناك خصومة بين ابنك وبين إنسان بعيد، أنت كأب تتمنى أن يكون الحق مع ابنك، لم ينطق بكلمة، فإذا بقرآن يتنزل عليه فيه عتاب يعد من أشد أنواع المعاتبة، قال الله عز وجل:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً (105)﴾
[سورة النساء: 105]
نزلت تبرئة اليهودي، وهو عدو النبي، واتهامًا للأنصاري، وهو من أتباع النبي، هذا هو العدل.
العدل فوق كل شيء، لذلك حينما تفقد الأمة العدل انتهت، فقد تودع منها العدل تتحمل الفقر، نتحمل مليون مشكلة، أما حينما نفقد العدل انتهت هذه الأمة، النبي عليه الصلاة والسلام أرسل عبد الله بن رواحة لتقييم تمر خيبر، وخيبر يهود، فأغروه بحلي نسائهم، فقال: جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم عندي أبغض من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقال اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا، وهذه الأمة الإسلامية واللهِ لا تشم رائحة النصر إذا ظلم بعضها بعضاً، مادام هناك ظلم بين المسلمين واللهِ لن ينالوا النصر من الله أبداً إلا إذا كان هناك إنصاف، قال تعالى:
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾
[ سورة المائدة: 8]
من أبرز الأحاديث الواردة في الإنصاف، عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))
[ متفق عليه ]
وفي زيادة وحتى يكره لها ما يكره لنفسه.
الشيء الذي تحبه لنفسك ينبغي أن تحبه للآخرين، وعندك إمكان الشيء الذي تكرهه لنفسك أن تكرهه للآخرين، زينب بنت جحش زوجة النبي عليه الصلاة والسلام كانت منافسةً للسيدة عائشة، وغيبة، فلما وقعت مشكلة الإفك سأل النبي زينب ضرة السيدة عائشة، تقول السيدة عائشة: سألها عن أمري، فقال: يا زينب ماذا علمت أو رأيت من عائشة ؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً، قالت عائشة: وهي زينب التي كانت تساميني، أي تنافسني وتكرهني من أزواج النبي، فعصمها الله بالورع، فلما سئلت قالت: ما علمت عليها إلا خيرًا، هذه البطولة.
نحن إذا غلط خصمنا نشرحه، انتهى، وننسى كل ميزاته، نحطمه سيدنا أبو ذر الغفاري لقيه رجل وعليه حلة ثوب جميل، وعلى غلامه حلة مثل حلته، فسأله عن ذلك قال: إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه وأمه السوداء، فقال: يا بن السوداء، فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام:
((يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، أطعموهم مما تأكلون، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، والنهار لكم، والليل لهم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغرمهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم))
قد يكون عندك خادم ينبغي أن تعامله كابنك، هذا الدين بحاجاته، بمتطلباته، بكرامته، الإنصاف من صفات المؤمن، إذا كنت منصفاً تشعر أن الله يرضى عنك، وأنك عند الله عظيم، وإن لم تكن منصفاً، وإن استخدمت مقياسين ومكيالين كما ترى الآن في العالم كنت صغيرا.
وقعت طائرة في بريطانيا (لوكربي)، الآن يدفع من اتهم بأنه أسقطها مئتين وسبعين مليار دولار بمعدل خمسمئة مليون ليرة سورية دية كل راكب، يعني عشر ملايين دولار، ويموت الألوف، ويقولون: خطأ، المسلم ليس له ثمن، من دون ثمن إطلاقاً، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً))
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله و صحبه و سلم.
من خطبة الجمعة
للدكتور راتب النابلسي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى