لأني أحبّك فلسطين كفاح طافش
صفحة 1 من اصل 1
لأني أحبّك فلسطين كفاح طافش
حين يكثر الحديث عنها، أحاول دائمًا غياب أخف حقوقها، كم مرةً كنتِ الطريق التي تٌهنا بها، وكم مرةً تُهتِ بنا حيرةً وسؤالا يزيدُ على وجعكِ وجعا.
حين تأتي بالخبز البعيد يحضر معها كل ذلك الوجع والشعور بالقصور، هي أنت الآه التي تلاحِقنا دائما، ولم ولن نشفى منها ما دُمنا مُصرّين، فلسطين حلمٌ يراودني كل حين يُناغم وحدة السجن وضريبة الانتماء، ولكن كم كنا أوفياء بعد كل هذا.
حين كُنا هناك تَمظهر حُلم حريتك كأنه استطاعةٌ قصوى، لأنه وبعد كل هذه السنين اكتشفنا كم كُنا أغبياء، فلم أعلم أن فيكِ مرض ما يقف عاجزا أمام إرادة الآخرين، وكأنه يريدك كما أنت عاجزةً فقيرةً تشحدين الحريةَ والكرامة، في اللحظة التي فرغت فيها جيوبك من كل معاني البقاء، امتلأت جيوبهم بأموال صمودِ شعبكِ وأكثر.
كيف إذًا تريدين البقاء طاهرة نقية؟، فالألم ألمكِ وحدك ما دامت أرصدة البنوك تزخر بعطاياكِ، شبهتك أنكِ تأكلين لحمَ أبنائكِ وتدخرين في تحقيق أحلام المتسربين وأكلة اللحم الميت، واقفي حفلات التنكر الذين استهوتهم أقنعت الوطن، فعاشوا خلفها ينهلون من عطائك أكثر مما تعتقدين، فلماذا اذن؟.
هي صورة أخرى هزليةٌ جّسدها الواقع رغم كل محاولات الإدعاء والإستتار خلف أقنعة الوطن والمواطنة، فابتعدنا عن حقوق أصبحت توزع بإرادة الباكي وراء نعمة البقاء.
حين علّت أصوات كثيرة تنادي بضرورة إجراء انتخابات محلّية حتى في ظل الانقسام، حين قضى التنازع على الوهم وباعوكِ واهمةٌ وراء السراب، فهمتُ وقتَذاك أننا قد غادرنا قيما لننشد أخرى، وكأننا نحاول فهم معطيات واقعنا بالمنطق أللأخلاقي، حينها تساءلت: كيف لنا التسليم والإنقسام ومحاولة تفكيكه؟ كيف لنا ونحن شعبٌ تحت الإحتلال لم يفهم خرائط الديمقراطيّة الشكليّة، ونحن لا نملك إرادة الإرادة في نيل الحرية؟، غير أن الجواب لسؤالي لم يظهر فجأةً، فجاء السؤال بأسلوب مباشر لمن أخطأ المشروع الوطني لمنطقه، وكذلك من يدعي أن مدرسته بالعمل السياسي هي الأخلاقيّة، فادعوا أن الانتخابات المحليّة هيَّ خدماتيّة وليست ذات طابع سياسي، وهي التي أُقرت قبل أكثر من عام على إجراء الانتخابات، وقتَذاك أيقنتُ أننا واحد وكُلنا نحاول التستر وراءَ أقنعةٍ وهَدَفُنا إضاعة الباقي منكِ.
وقتذاك أيقنتُ أكثر أنَ السياسية لا تَمتُ بالأخلاق بصلة. فيسارنا بجلاله الأخلاقي، قرأ الانتخابات كفرصةٍ لحفظ عددٍ أكبر من المقاعد في ظل غياب حماس، ويميننا أكدها بروح الانتقام لهزيمتهِ قبل خمسة سنوات حين اكتسحت حماس أغلب المجالس.
وحماس لها من الديمقراطيّة فقط السلطة وهي غير مستعدة للالتحام مرةً أخرى، وقتَذاك كتبتُ 'حين يصبح الحِزبُ انتهازيًا' وراهنتُ على عدم إجراء العمليّة الانتخابية المؤسسة، كان وتصورَ لي أن فلسطين هيَّ التي كانت.
غير أن الحقيقة كانت عكسَ ذلك، بعد أن استخدمت الانتخابات المحليّة كورقة ضاغطة من أجل المصالحة، بالتلويح بها كلما توقف قطار المُصالحة المتعثر أصلًا، مما زادَ قناعتي أن هذه الانتخابات سياسيّة بامتياز دون الدخول في فلسفة اجتماعية بشكلها الآخر.
واليوم وبعدَ إجراء الانتخابات بنصف 'الوطن' كيف أركِ فلسطين وأشباه المنتمين لك كيف حالهم؟
شكرًا لكم لأنكم أعطيتموني فرصةً أخرى لأثبت حُبي لفلسطين، شكرًا لأنكم هذه المرة أسقطتم أقنعتكم وأنتم لا تدرون حين ركضتم خلفَ الوهم وسمحتم لذواتكم بأن تتصرف عل سجيّتِها، شكرًا لكم لأنك أكدتم أن في شعبنا ما زال هناك من ينتمي لفلسطين وفقط لفلسطين، شكرًا لكم لأنكم سمحتم لنا بأن نكون واقعيين أكثر، عّلّنا نستعجل الشِفاء من مرضٍ عُضال يفتكُ بفينا بعد كل هذه السنين.
سألني أحدهم: كيف لنا البحث عن جواب، ما العمل بعد كل هذه السنوات من سوء حركة التحرر الوطني الفلسطينية؟، واحترت بالجواب، غير أن جيش الفاقدين بالثقة بأجسام السياسة والتي تتلمسه استطلاعات الرأي، كان يعطيني المشروعيّة بالبحث خلّفَ ذاك السؤال.
واليوم أجزم أن رصاصة الرحمة قد أطلقتها أطياف العمل السياسي بإرادتها، فبعد النظرة السريعة على نتائج الانتخابات الأوليّة، اتضح أن جميع من حارب إجرائِها قد خسر، والرابح وحده هو منطق التشكيك بجدوى استمرار الحقل السياسي الفلسطيني بخرائطه الحاليّة.
فاليمين المتمثل بحركة فتح، دخل الانتخابات دون منافسة جديّة، كونه القوى الوحيدة الكبيرة التي شاركت بل ساهمت بشكل أساسي لإجرائها، احتار مرارا وأجل الانتخابات عدة مرات بمأزق إعداد القوائم إلى عدم قدرته لتوحيد صفوفه عبر خلطة محليّة مصلحيّة يراعي بها طموح ومصالح مرافق قواه. استخدم منطق الصمت الفرضي عبر التبني الرسمي لقوائم لا أعرف كيف رُكبت وبأي مقاييس، لكن الواضح أنها لم تحمل في جوهرها الادعاء، كون هذه الانتخابات إجتماعيّة خدماتيّة، وإذ كانت كذلك لماذا لم تحقق هذه القوائم رضى الناس إن حملت في طياتها أسماءً تحقق الهدف المرجو؟، غير أنها وبعد حسم مسألة الترشح وأخذ القرار من فصل كل من ترشح خارج قوائهما في قوائم مستقلين.
اتضح عَبر النتائج أنها فصّلّت الانتخابات وفق مقاسها، ولكن للأسف قد أخاط وأضاع قدرته على الإخراج وضاعت فرصتهُ رد الاعتبار، ففي أغلب المدن الرئيسية لم تحظَ قوائم فتح الرسميّة بغير عدد مقاعد خجول يعكس حجم أزمتها الداخليّة وكذلك وكونها لم ترتقِ لشعار الانتخابات التي استترت وراء سبب لإجرائِها، وكأن التاريخ يعيد نفسه لعام 2005 وبصورة أكثر هزليّة وذات طابع تراجيدي، حين تعلم أن لا منافس جدي لها غير ذاتها وكأن فتح أكلت نفسها بنفسها.
فيسارنا الأخلاقي تنازل عن هذه القيمة حين دفع بكل قواه نحو إجراء الانتخابات وثارت ثائرتهُ، حين أُجلت أكثر من مرة، غير أنه ورغم مأزقه الأخلاقي استطاع أن يضع في أذهان الجمهور انتهازية عبرَ إصراره على الانتخابات حتى في ظل الانقسام، وشعوره بأن الفرصة سانحة نحو حصد عدد من المقاعد، ظنًا منه أن المسألة مسألة تمثيل أكثر منها مواقف تنسجم فيما بينها لتشكل صورة متناسقة لبرنامج ورؤى واضحة.
واليوم، وبعد أن ظهرت النتائج الأوليّة التي تشير إلى عدم تركزه في أكثر من موقع وعدم تخطي مسألة الحسم وحصوله على مقعد واحد، وفي أحسن الأحوال مُثل بشكل خجول، ليكون اليسار بفضل ميزته الأخلاقيّة بالإدعاء، وكذلك فقد وردَ بالحفاظ على ماء الوجه عبرَ فقدانه مظهره التمثيلي في الشارع الفلسطيني، وليتلقى صفعة بعد صفعة الانتخابات التشريعية عام 2006، لم يتبق سوى الوقوف على الأطلال تقف عليها وتحكي قصص الغابرين وبطولاتهم، لتقتات عليها، وترصد على شكل علاقات اعتادت على ذات السلوك، فاليسار يحتاج إلى يسار آخر كي يستعيد ميزته الأخيرة.
أما حماس، فقد أكدت عمليًا أن الإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطيّة ويستخدمها كطريق اضطراري للوصول إلى الحكم، وهذا ضمن كلمات مفتيها الشيخ القرضاوي، فإن استقوت حماس بالانقسام وبررت عدم مشاركتها، متناسية أنها أحد أسباب الإنقسام وأحد المعيقين لإتمامها وبالتالي ستكون كمن اختفى خلف حالة اليأس وفقدان الثقة الحاصلة في مجتمعنا الفلسطيني ولتفقد حماس خطابا كان يؤمن لها أحقيّة الوقوف أمام حالة الهرولة المُتبعة بالحقل السياسي الفلسطيني وراء الأوهام.
فكم كُنت بليغًا يا ناجي العلي حين وضعتَ كل أطياف العمل السياسي الفلسطيني في قطار التسويّة، منها من يدير ظهره ومنها من يقف في المقدمة وآخر ينتظر دوره، وها هي حماس تحافظ على أن تدخل رسمك الكاريكاتوري حتى في ظل غيابك.
وفلسطين لك ما لك وعليك البقاء في انتظار من يحمل الأمانة بشرف ويستطيع أن يعكس ضرورات الفعل بوعي الوطن وفقط الوطن دون البحث عن الذات.
فمذ متى أصبحت المصالح الفئوية فوق مصلحة الوطن؟ ومذ متى تعطى الشرعية لمرتزقة العمل السياسي الذين عاشوا وما زالوا يعيشون على حساب آلام وآهات ابناء شعبنا؟
فلسطين حين نكون نستحقُكِ، وقتذاك سنكون أوفياء لكل ما مضى صونًا للتاريخ، وكذلك لدينا ما يحملنا على ترسيخ قيمة هي جوهر أي فعل وطني لا يمكن التنازل عنه حتى في أحلك الظروف، فلسطين انتظري في صمت وكبرياء حفنة من أبنائك الذين أصبحوا على قناعة أنك وحدك أنتِ تستحقين.
فمهما طالَ انتظارك، رغم كل هذه السنين أبقي كما عهدناكِ، أبيّةً على المحتل وفعل القهر ومؤامرات المتآمرين، فلطالما أحببتك فلسطين، وكذلك سأبقى وفيًا لعهدك يا زهرة الوجع المُقدس وآلة القرن الواحد والعشرين.
' اسير فلسطيني
حين تأتي بالخبز البعيد يحضر معها كل ذلك الوجع والشعور بالقصور، هي أنت الآه التي تلاحِقنا دائما، ولم ولن نشفى منها ما دُمنا مُصرّين، فلسطين حلمٌ يراودني كل حين يُناغم وحدة السجن وضريبة الانتماء، ولكن كم كنا أوفياء بعد كل هذا.
حين كُنا هناك تَمظهر حُلم حريتك كأنه استطاعةٌ قصوى، لأنه وبعد كل هذه السنين اكتشفنا كم كُنا أغبياء، فلم أعلم أن فيكِ مرض ما يقف عاجزا أمام إرادة الآخرين، وكأنه يريدك كما أنت عاجزةً فقيرةً تشحدين الحريةَ والكرامة، في اللحظة التي فرغت فيها جيوبك من كل معاني البقاء، امتلأت جيوبهم بأموال صمودِ شعبكِ وأكثر.
كيف إذًا تريدين البقاء طاهرة نقية؟، فالألم ألمكِ وحدك ما دامت أرصدة البنوك تزخر بعطاياكِ، شبهتك أنكِ تأكلين لحمَ أبنائكِ وتدخرين في تحقيق أحلام المتسربين وأكلة اللحم الميت، واقفي حفلات التنكر الذين استهوتهم أقنعت الوطن، فعاشوا خلفها ينهلون من عطائك أكثر مما تعتقدين، فلماذا اذن؟.
هي صورة أخرى هزليةٌ جّسدها الواقع رغم كل محاولات الإدعاء والإستتار خلف أقنعة الوطن والمواطنة، فابتعدنا عن حقوق أصبحت توزع بإرادة الباكي وراء نعمة البقاء.
حين علّت أصوات كثيرة تنادي بضرورة إجراء انتخابات محلّية حتى في ظل الانقسام، حين قضى التنازع على الوهم وباعوكِ واهمةٌ وراء السراب، فهمتُ وقتَذاك أننا قد غادرنا قيما لننشد أخرى، وكأننا نحاول فهم معطيات واقعنا بالمنطق أللأخلاقي، حينها تساءلت: كيف لنا التسليم والإنقسام ومحاولة تفكيكه؟ كيف لنا ونحن شعبٌ تحت الإحتلال لم يفهم خرائط الديمقراطيّة الشكليّة، ونحن لا نملك إرادة الإرادة في نيل الحرية؟، غير أن الجواب لسؤالي لم يظهر فجأةً، فجاء السؤال بأسلوب مباشر لمن أخطأ المشروع الوطني لمنطقه، وكذلك من يدعي أن مدرسته بالعمل السياسي هي الأخلاقيّة، فادعوا أن الانتخابات المحليّة هيَّ خدماتيّة وليست ذات طابع سياسي، وهي التي أُقرت قبل أكثر من عام على إجراء الانتخابات، وقتَذاك أيقنتُ أننا واحد وكُلنا نحاول التستر وراءَ أقنعةٍ وهَدَفُنا إضاعة الباقي منكِ.
وقتذاك أيقنتُ أكثر أنَ السياسية لا تَمتُ بالأخلاق بصلة. فيسارنا بجلاله الأخلاقي، قرأ الانتخابات كفرصةٍ لحفظ عددٍ أكبر من المقاعد في ظل غياب حماس، ويميننا أكدها بروح الانتقام لهزيمتهِ قبل خمسة سنوات حين اكتسحت حماس أغلب المجالس.
وحماس لها من الديمقراطيّة فقط السلطة وهي غير مستعدة للالتحام مرةً أخرى، وقتَذاك كتبتُ 'حين يصبح الحِزبُ انتهازيًا' وراهنتُ على عدم إجراء العمليّة الانتخابية المؤسسة، كان وتصورَ لي أن فلسطين هيَّ التي كانت.
غير أن الحقيقة كانت عكسَ ذلك، بعد أن استخدمت الانتخابات المحليّة كورقة ضاغطة من أجل المصالحة، بالتلويح بها كلما توقف قطار المُصالحة المتعثر أصلًا، مما زادَ قناعتي أن هذه الانتخابات سياسيّة بامتياز دون الدخول في فلسفة اجتماعية بشكلها الآخر.
واليوم وبعدَ إجراء الانتخابات بنصف 'الوطن' كيف أركِ فلسطين وأشباه المنتمين لك كيف حالهم؟
شكرًا لكم لأنكم أعطيتموني فرصةً أخرى لأثبت حُبي لفلسطين، شكرًا لأنكم هذه المرة أسقطتم أقنعتكم وأنتم لا تدرون حين ركضتم خلفَ الوهم وسمحتم لذواتكم بأن تتصرف عل سجيّتِها، شكرًا لكم لأنك أكدتم أن في شعبنا ما زال هناك من ينتمي لفلسطين وفقط لفلسطين، شكرًا لكم لأنكم سمحتم لنا بأن نكون واقعيين أكثر، عّلّنا نستعجل الشِفاء من مرضٍ عُضال يفتكُ بفينا بعد كل هذه السنين.
سألني أحدهم: كيف لنا البحث عن جواب، ما العمل بعد كل هذه السنوات من سوء حركة التحرر الوطني الفلسطينية؟، واحترت بالجواب، غير أن جيش الفاقدين بالثقة بأجسام السياسة والتي تتلمسه استطلاعات الرأي، كان يعطيني المشروعيّة بالبحث خلّفَ ذاك السؤال.
واليوم أجزم أن رصاصة الرحمة قد أطلقتها أطياف العمل السياسي بإرادتها، فبعد النظرة السريعة على نتائج الانتخابات الأوليّة، اتضح أن جميع من حارب إجرائِها قد خسر، والرابح وحده هو منطق التشكيك بجدوى استمرار الحقل السياسي الفلسطيني بخرائطه الحاليّة.
فاليمين المتمثل بحركة فتح، دخل الانتخابات دون منافسة جديّة، كونه القوى الوحيدة الكبيرة التي شاركت بل ساهمت بشكل أساسي لإجرائها، احتار مرارا وأجل الانتخابات عدة مرات بمأزق إعداد القوائم إلى عدم قدرته لتوحيد صفوفه عبر خلطة محليّة مصلحيّة يراعي بها طموح ومصالح مرافق قواه. استخدم منطق الصمت الفرضي عبر التبني الرسمي لقوائم لا أعرف كيف رُكبت وبأي مقاييس، لكن الواضح أنها لم تحمل في جوهرها الادعاء، كون هذه الانتخابات إجتماعيّة خدماتيّة، وإذ كانت كذلك لماذا لم تحقق هذه القوائم رضى الناس إن حملت في طياتها أسماءً تحقق الهدف المرجو؟، غير أنها وبعد حسم مسألة الترشح وأخذ القرار من فصل كل من ترشح خارج قوائهما في قوائم مستقلين.
اتضح عَبر النتائج أنها فصّلّت الانتخابات وفق مقاسها، ولكن للأسف قد أخاط وأضاع قدرته على الإخراج وضاعت فرصتهُ رد الاعتبار، ففي أغلب المدن الرئيسية لم تحظَ قوائم فتح الرسميّة بغير عدد مقاعد خجول يعكس حجم أزمتها الداخليّة وكذلك وكونها لم ترتقِ لشعار الانتخابات التي استترت وراء سبب لإجرائِها، وكأن التاريخ يعيد نفسه لعام 2005 وبصورة أكثر هزليّة وذات طابع تراجيدي، حين تعلم أن لا منافس جدي لها غير ذاتها وكأن فتح أكلت نفسها بنفسها.
فيسارنا الأخلاقي تنازل عن هذه القيمة حين دفع بكل قواه نحو إجراء الانتخابات وثارت ثائرتهُ، حين أُجلت أكثر من مرة، غير أنه ورغم مأزقه الأخلاقي استطاع أن يضع في أذهان الجمهور انتهازية عبرَ إصراره على الانتخابات حتى في ظل الانقسام، وشعوره بأن الفرصة سانحة نحو حصد عدد من المقاعد، ظنًا منه أن المسألة مسألة تمثيل أكثر منها مواقف تنسجم فيما بينها لتشكل صورة متناسقة لبرنامج ورؤى واضحة.
واليوم، وبعد أن ظهرت النتائج الأوليّة التي تشير إلى عدم تركزه في أكثر من موقع وعدم تخطي مسألة الحسم وحصوله على مقعد واحد، وفي أحسن الأحوال مُثل بشكل خجول، ليكون اليسار بفضل ميزته الأخلاقيّة بالإدعاء، وكذلك فقد وردَ بالحفاظ على ماء الوجه عبرَ فقدانه مظهره التمثيلي في الشارع الفلسطيني، وليتلقى صفعة بعد صفعة الانتخابات التشريعية عام 2006، لم يتبق سوى الوقوف على الأطلال تقف عليها وتحكي قصص الغابرين وبطولاتهم، لتقتات عليها، وترصد على شكل علاقات اعتادت على ذات السلوك، فاليسار يحتاج إلى يسار آخر كي يستعيد ميزته الأخيرة.
أما حماس، فقد أكدت عمليًا أن الإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطيّة ويستخدمها كطريق اضطراري للوصول إلى الحكم، وهذا ضمن كلمات مفتيها الشيخ القرضاوي، فإن استقوت حماس بالانقسام وبررت عدم مشاركتها، متناسية أنها أحد أسباب الإنقسام وأحد المعيقين لإتمامها وبالتالي ستكون كمن اختفى خلف حالة اليأس وفقدان الثقة الحاصلة في مجتمعنا الفلسطيني ولتفقد حماس خطابا كان يؤمن لها أحقيّة الوقوف أمام حالة الهرولة المُتبعة بالحقل السياسي الفلسطيني وراء الأوهام.
فكم كُنت بليغًا يا ناجي العلي حين وضعتَ كل أطياف العمل السياسي الفلسطيني في قطار التسويّة، منها من يدير ظهره ومنها من يقف في المقدمة وآخر ينتظر دوره، وها هي حماس تحافظ على أن تدخل رسمك الكاريكاتوري حتى في ظل غيابك.
وفلسطين لك ما لك وعليك البقاء في انتظار من يحمل الأمانة بشرف ويستطيع أن يعكس ضرورات الفعل بوعي الوطن وفقط الوطن دون البحث عن الذات.
فمذ متى أصبحت المصالح الفئوية فوق مصلحة الوطن؟ ومذ متى تعطى الشرعية لمرتزقة العمل السياسي الذين عاشوا وما زالوا يعيشون على حساب آلام وآهات ابناء شعبنا؟
فلسطين حين نكون نستحقُكِ، وقتذاك سنكون أوفياء لكل ما مضى صونًا للتاريخ، وكذلك لدينا ما يحملنا على ترسيخ قيمة هي جوهر أي فعل وطني لا يمكن التنازل عنه حتى في أحلك الظروف، فلسطين انتظري في صمت وكبرياء حفنة من أبنائك الذين أصبحوا على قناعة أنك وحدك أنتِ تستحقين.
فمهما طالَ انتظارك، رغم كل هذه السنين أبقي كما عهدناكِ، أبيّةً على المحتل وفعل القهر ومؤامرات المتآمرين، فلطالما أحببتك فلسطين، وكذلك سأبقى وفيًا لعهدك يا زهرة الوجع المُقدس وآلة القرن الواحد والعشرين.
' اسير فلسطيني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى