هل نعيش أجواء ١٩١٣؟؟

هل نعيش أجواء ١٩١٣؟؟

بقلم أسامة الشريف

١٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣

قيل في الماضي ان من لا يقرأ التاريخ محكوم باعادته، وشغل المؤرخين ان يذكرونا باحداث تاريخية كبرى تتقاطع وتتشابك مع احداث معاصرة، وان كان بعضهم يرفض مقولة ان التاريخ يعيد نفسه. وقبل ايام نشر تشارلز اميرسون، وهو باحث في تشاتام هاوس، مقالا مثيرا للجدل في مجلة «فورين بوليسي» بعنوان «عشية الكارثة: اوجه الشبه بين عامي 1913 و2013» حاول فيه ان يجري مقاربة بين شكل العالم قبل عام على اندلاع الحرب الكونية الاولى، وبين عالم اليوم بعد مرور قرن من الزمن. يحاول الباحث ان يجيب على سؤال طرحه وهو: هل نحن على ابواب حرب كونية جديدة؟ كما بدأت الحرب الاولى باطلاق رصاصة على ولي عهد النمسا في سراييفو في عام 1914، فان حربا كونية اخرى قد تندلع باستمرار الخلاف بين الصين واليابان، مثلا، على احقية جزر مهجورة في بحر الصين الجنوبي، يقول ايمرسون. لا يمكن قراءة المستقبل لكن معرفة التاريخ تتيح لنا التحوط وربما تعديل المسار ايضا.

اوجه الشبه بين عامي 1913 و2013 تقترب حينا وتبتعد احيانا. فبريطانيا العظمى انذاك قد تكون الولايات المتحدة الاميركية اليوم، والمانيا الصناعية الصاعدة قد تكون الصين العملاق الاقتصادي الناهض. عالم 1913 كان متعدد الاقطاب، وكان يشهد عولمة اقتصادية كبرى باحلال النفط مكان الفحم وبروز اهمية الشرق الاوسط، وظهور التلغراف الذي مكن عملية الاتصال عبر المساحات الشاسعة وسهل الملاحة البحرية، تماما كما هو دور الانترنت اليوم.

الفرق ان المانيا كانت لها اطماع توسعية عسكرية بينما الصين تدافع اليوم عن مصالحها الاقتصادية في العالم بشكل سلمي، وبينما كانت بريطانيا الدولة الأهم من الناحية المالية لسيطرتها على اكبر مخزون للذهب، فان الولايات المتحدة استفادت من كونها صاحبة العملة-الاحتياط للاقتصاد العالمي رغم غرقها في الدين الخارجي ورغم ان الصين تملك الكم الاكبر من سندات الخزينة الاميركية اليوم. وبينما لم تكن بريطانيا القوة العسكرية الوحيدة في العالم انذاك، تظل الولايات المتحدة، رغم عثرتها المالية، صاحبة الجيش الاقوى والاقتصاد الأكبر في العالم حتى اليوم.

ويضيف ايمرسون ان عالم 1913 كان محدودا من حيث عدد الدول المستقلة، مقارنة بالمائة وتسعين دولة العضو في الأمم المتحدة اليوم.

وبينما كان واحدا من كل اربعة من سكان العالم يعيش في اوروبا انذاك فان تلك النسبة قد تراجعت الى واحد من بين كل عشرة في وقتنا الحاضر. رغم التشابة والاختلاف فان الباحث يقول ان الناظر الى عالم 1913 كان بامكانه ان يرى عالما هادئا وديناميكيا يتميز بالتقدم التقني وبالانفتاح التجاري. في تلك السنة بدأ تصدير السيارات التي صنعها هنري فورد الى باقي دول العالم، وفي نهايتها انتجت هوليوود اول فيلم سينمائي طويل. وفي تلك الفترة استخدمت الطائرات لاول مرة في قصف المدن ما اطلق العنان للصناعات العسكرية. وفي نفس العام اسست الولايات المتحدة البنك المركزي او الاحتياطي الفيدرالي ليشكل بداية تغير في النظام المالي العالمي.

رغم كل هذا وقعت الحرب العالمية الاولى وتغيرت خرائط العالم وموازين القوى فيه، ويحاول ايمرسون ان يثبت ان مصالح الشركات الكبرى والعلاقات التجارية المزدهرة بين الأمم انذاك لم تفلح في تجنيب العالم كارثة كبرى. والحديث عن العولمة اليوم، باعتبارها تشكل نوعا من الحصانة ضد مواجهة عسكرية كونية جديدة، لا يختلف عن تحليل مؤرخ بريطاني وهو جي. بي. جوتش في عام 1913 بأن: «العالم ينكمش وان الجنس البشري يشعر بوحدة مصيره، وان الحضارة اصبحت تراثا عالميا!» مهما قرأنا التاريخ فان احدا لا يملك ناصية التنبؤ بما يحمله المستقبل. مع ذلك تبدو مقاربات ايمرسون مثيرة للجدل، وهو يقول ان دروس عام 1913 تؤكد ان العولمة ليست امرا محتوما وانها، كما التفوق الاقتصادي الغربي، معرضة ايضا للتغيير.

ربما نشعر نحن في الشرق الاوسط اكثر من غيرنا بصحة طرح ايمرسون. فالمنطقة تشهد حروبا طائفية وانقسامات اثنية وثورات شعبية وزيادة في التطرف الديني وتراجعا في القيم المدنية الجامعة وغيابا لمفهوم المواطنة وعودة الى عصر ما قبل الدولة. انتهت الحرب العالمية الاولى باعادة رسم خريطة الشرق الاوسط، فهل تتغير الجغرافيا السياسية للمنطقة في السنوات القادمة؟اخوكم في الاسلام فتحي شبي